السبت، 6 أبريل 2013

مصنف ضمن:

إسلامية لا وهابية


الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله ، ورضي الله عن صحابته الكرام ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بفضلك اللهم . 
وبعـــد :
فقد ثبت في الخبر الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :  لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين ، على الحق ، لا يضرهم من خذلهم ، حتى يأتي وعد الله وهم كذلك  وبين أنهم يقاتل آخرهم الدجال  وينزل فيهم عيسى ابن مريم - عليه السلام - عند قيام الساعة .
وعلم يقينا أن هذه الطائفة هم من كان على منهاج النبوة ، فعمل بالسنة ولزم الجماعة وسار على نهج السلف الصالح ، وأن هذه الطائفة ( أهل السنة والجماعة ) لا يحصرهم زمان ولا مكان ، لكنهم قد يكثرون في زمان ويقلون في آخر ، وقد يكثرون في مكان ويقلون في آخر كذلك .
والمتأمل لحال المسلمين في القرون الأخيرة يجد أن أبرز أنموذج لهذه المسيرة الخيرة هي تلكم الدعوة الإصلاحية المباركة ، ودعوة التوحيد والسنة ، التي قام بها الإمام المجدد ( محمد بن عبد الوهاب ت 1206هـ ) ، وأيدها الأمير الصالح ( محمد بن سعود ت 1179هـ ) ( رحمهما الله ) التي ظهرت في منتصف القرن الثاني عشر الهجري في قلب نجد ، ثم سائر جزيرة العرب ، ثم امتدت آثارها الطيبة إلى كل أقطار العالم الإسلامي ، بل إلى كل أرجاء المعمورة . ولا تزال بحمد الله كذلك .
وقد لوحظ ، لا سيما مع الأحداث الأخيرة ، حروب الخليج ، وسقوط الاتحاد السوفييتي وأحداث ( 11 سبتمبر ) بأمريكا وما أعقبه من تداعيات ، لوحظ بصورة ملفتة ومريبة انبعاث كثير من المفتريات والأوهام والأساطير حول ما يسمونه : ( الوهابية ) .
 - ص 6 - وشاعت هذه المفتريات وهذه الأكاذيب حول الدعوة وأتباعها وعلمائها ودولتها ( الدولة السعودية ) ، وأسهم في ترويجها الحاسدون والمناوئون والكائدون وربما صدقها الجاهلون بحقائق الأمور .
وإن الباحث في حقيقة هذه الدعوة ومفتريات خصومها ، وتحفظات بعض ناقديها ، والكم الهائل مما قيل في ذلك وكتب ، وما حشي في أذهان الناس تجاهها من تنفير وتضليل ؛ سيصاب بالذهول والحيرة - لأول وهلة .
لكن ما إن يلج المنصف في عمق القضية فسيجد الأمر أيسر وأبين مما يتصوره ، وحين يتجرد من الهوى والعصبية ستنكشف لـه الحقيقة ، وهي : أن هذه الدعوة الإصلاحية الكبرى ، إنما تمثل الإسلام الحق ، ومنهاج النبوة ، وسبيل المؤمنين والسلف الصالح في الجملة .
كما سيظهر لـه جليا أن ما يثار حولها وضدها من الشبهات ، إنما هو من قبيل الشائعات والمفتريات ، والأوهام والخيالات ، والبهتان . ومن الزبد الذي يذهب جفاء عند التحاكم إلى القرآن والسنة ، والأصول العلمية المعتبرة ، والنظر العقلي السليم .
وما أظن حركة من الحركات الإصلاحية واجهت من التحديات ، والظلم والبهتان ، كما واجهت هذه الدعوة ، ومع ذلك علت وانتصرت وآتت ثمارها الطيبة ( ولا تزال بحمد الله ) في كل مكان .
وما ذلك إلا لأنها قامت على ثوابت الدين الحق ( الإسلام ) لكن هذه الحقيقة خفيت على كثير من الناس ، فكان لا بد من تجليتها .
لذا فقد لزم الإسهام - في هذا المؤلف -  في تجلية الحقيقة ، ورفع الظلم ، ودفع الباطل ورد المفتريات والمزاعم ، بالحجة والبرهان ، واستجلاء الحقيقة من خلال الواقع وشهادة المنصفين .
فإنه من الحقائق الثابتة الجلية أن هذه الدعوة الإصلاحية إنما هي امتداد للمنهج الذي كان عليه السلف الصالح أهل السنة والجماعة على امتداد التاريخ الإسلامي ، وهو منهج الإسلام الحق الذي كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام والتابعون وأئمة الدين من الأئمة الأربعة ونحوهم من أهل الحديث والفقه وغيرهم .
 - ص 7 - إذن فهذه الحركة المباركة لم تكن إلا معبرة عن الإسلام نفسه ، مستهدفة إحياء ما اعترى تطبيقه من قبل كثير من المسلمين من غشاوة وجهل وإعراض وبدع .
وحيث قد اشتهرت عند غير أهلها ، وعند الجاهلين بحقيقتها باسم ( الوهابية ) فإن هذا الوصف انطلق أولا من الخصوم ، وكانوا يطلقونه على سبيل التنفير واللمز والتعيير ، ويزعمون أنه مذهب مبتدع في الإسلام ، أو مذهب خامس . وهذا ظلم .
فهي ليست سوى الإسلام والسنة كما جاء بها النبي - صلى الله عليه وسلم - وسار عليها السلف الصالح .
ولم يكن استعمال هذا الوصف مرضيا ولا شائعا عند أتباعها ، ومع ذلك صار لقب ( الوهابية ) وتسمية الدعوة الإصلاحية السلفية الحديثة به هو السائد لدى الكثيرين من الخصوم وبعض الأتباع والمؤيدين والمحايدين ( تنزلا ) .
بل تعدى الأمر إلى التوسع في إطلاق ( الوهابية ) على أشخاص وحركات منحرفة عن المنهج السليم ، وتخالف ما عليه السلف الصالح وما قامت عليه هذه الدعوة المباركة ، وهذا بسبب تراكمات الأكاذيب والأساطير التي نسجت حول الدعوة وأهلها بالباطل والبهتان .
إن أتباع هذه الحركة لا يرون صواب هذه التسمية ( الوهابية ) ولا ما انطوت عليه من مغالطات وأوهام ، لاعتبارات مقنعة كثيرة شرعية وعلمية ومنهجية وموضوعية وواقعية ، تتلخص فيما أشرت إليه من أنها تمثل تماما الإسلام الحق الذي جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن سلك سبيل الهدى ، وإذن فحصره تحت مسمى غير الإسلام والسنة خطأ فادح وبدعة محدثة ومردودة .
كما ذكرت أن هذه الدعوة وأتباعها ودولتها ( الدولة السعودية في مراحلها الثلاث ) قد واجهت ، ولا تزال تواجه ، تحديات كبرى كلها ترتكز على المفتريات والاتهامات ، والشائعات والأكاذيب والأساطير التي لا تصمد أمام البحث الشرعي العلمي الأصيل والمتجرد .
وإن كان الناقدون قد يجدون في تجاوزات بعض المنتسبين للدعوة ما يتذرعون به في نقدها ، لكن عند التحقيق تزول هذه التهم .
إذ إن الناظر في المفردات الجزئية لكل دعوة أو مبدأ ، قد يجد فيها الكثير من الأخطاء والتجاوزات والتصرفات الشاذة والأقوال النادة والأحكام الخاطئة ، أو الأمور المشكلة والمشتبهة التي تحتاج إلى تثبت أو تفسير أو تدقيق أو استقراء للوصول إلى حكم علمي تطمئن إليه النفس .
 - ص 8 - لكن أهل العلم وعقلاء الناس لديهم موازين علمية وعقلية وقواعد شرعية يزنون بها الأمور . 


ودعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب تخضع لهذه القاعدة ، إذ هي دعوة إسلامية محضة وسلفية خالصة ، تسير على منهج السلف الصالح ، فمرد الخلاف بينها وبين مخالفيها : الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح ، وقد بينت أن ما يتهمها به خصومها من الاتهامات على ثلاثة أنواع :
النـوع الأول : من الكذب الصريح والافتراء والبهتان ، وقد ورد ذكر كثير منه في هذا البحث .
النـوع الثاني : مما يكون من اللوازم غير اللازمة ، أو التلبيس ، أو التفسير الخاطئ ، ونحو ذلك مما يلتبس فيه الحق بالباطل ويجب رده إلى النصوص والأصول الشرعية والقواعد المعتبرة عند العقلاء ، والمنهج الذي عليه الدعوة .
النوع الثالث : أخطاء وتجاوزات وزلات ليست على المنهج الذي عليه الدعوة ، أو اجتهادات خاطئة أو مرجوحة ، وقد تصدر من أي من العلماء أو الولاة أو العامة ، والمنتسبين للدعوة . وكثير من الشبهات والاتهامات التي يتعلق بها الخصوم للطعن في الإمام وأتباعه ودعوته من هذا النوع .
وقد عرضت هذا المنهج بشيء من التفصيل في هذا البحث ليكون القاعدة والميزان في تقويم الدعوة ، وبيان مدى الظلم والإجحاف الحاصل لها ولأهلها في الاتهامات التي قيلت وذاعت عند الكثيرين ، بل ومدى البهتان والكذب من قبل بعض الخصوم الذين ظلموا هذه الدعوة ، أو ممن صدقوهم دون تثبت ولا نظر في المنهج والأصول التي عليها المعول في النقد والتقويم ، ودون اعتبار للحال والواقع الذي تعيشه الدعوة وأهلها .
وقد واجهت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب - كسائر الدعوات الإصلاحية - صورا عديدة من هذا الابتلاء والمواجهة والحرب الظالمة بجميع أنواعها من خصومها ، وما هذا الصراع إلا حلقة من حلقات الصراع بين الحق والباطل إلى قيام الساعة .
كما أن الصراع بين الدعوة وبين خصومها إنما كان صراعا عقديا بالدرجة الأولى ، ومظاهر الصراع السياسي وغيره جاءت تباعا ؛ لأن الدعوة أعلنت نشر التوحيد والسنة ، ومحاربة الشركيات والبدع السائدة ، وأعلنت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإقامة الحدود ، وتحقيق العدل ورفع الظلم ، والعمل بشرع الله في أمور الحياة ونشر العلم ، ومحاربة الجهل  - ص 9 - والدجل والسحر .
وهذا يتصادم مع مصالح أهل الأهواء والمنتفعين من شيوع البدع والجهل والتخلف .
هذه هي الحقيقة ولا شك .
وكل رسائل الدعوة وكتبها وأعمالها وتعاملاتها تدور على هذا الأصل : العودة للإسلام والسنة ، كما هي في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وسيرة السلف الصالح ، نقية صافية من شوائب الشركيات والبدع والأهواء والجهالات والطرق والفرق ، والدجل .
وهذا منبع الخلاف ومنشأ الصراع .
نعم ، لقد واجهت هذه الدعوة المباركة : إمامها وعلماؤها وقادتها ودولتها ، وأتباعها وأنصارها ومؤيدوها حيثما كانوا - ولا تزال تواجه - أصنافا من الخصوم ، وأنواعا من التحديات والمفتريات والدعايات المضادة والخصومات بالباطل .
فهي إذن - كأي دعوة وحركة إصلاحية جادة - قد اصطدمت بقوى وتحديات وعقبات كبرى ومكائد عظيمة ، وخصوم أقوياء ، وأعداء أشداء من ديانات وفرق ومذاهب ، ودول وجماعات ، وعلماء ورؤساء وأمراء ، بل وغوغاء وجهلة .
ومع ذلك كله كانت هذه الدعوة - حين قامت على الحق والعدل - تنتصر وتنتشر ، فقد قاوم إمامها وعلماؤها وأتباعها وأمراؤها كل هذه التحديات ، بقوة الإيمان واليقين والعلم والحلم ، والصبر والثبات .
وإن الواقع ليشهد أن هذه الدعوة - رغم التحديات الكبيرة - كانت تظهر وتعلو وتؤتي ثمارها الطيبة حتى في فترات ضعف السلطة ، بل وفي البلاد التي لا توجد فيها لها سلطان ولا قوة حين لا تملك إلا قوة الحجة ، وما ذلك إلا لأنها تمثل الإسلام الحق الذي كتب الله لـه البقاء والظهور إلى قيام الساعة ؛ ولأنها تملك عوامل البقاء والثبات ومقومات القوة والنصر ؛ ولأنها تستمد القوة من نصرها لدين الله دين الحق والعدل ، ومن وعد الله تعالى لكل من نصر هذا الدين كما قال تعالى : ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز  [سورة الحج ، من الآية : 40] .
ولأنها كانت تخاطب العقول السليمة والفطرة المستقيمة ، والقلوب الواعية المتجردة من الهوى .
إن من أقوى الوسائل لفصل النزاع بين المختلفين بعد التحاكم إلى الأصول الشرعية  - ص 10 - والبراهين العقلية : شهادات الآخرين ، وقد شهد لهذه الدعوة المباركة ، وإمامها وعلمائها ودولتها وأتباعها كثيرون من أهل العلم والفكر والفضل والإنصاف ، من العلماء والأدباء والمفكرين والساسة والدعاة ، وغيرهم .
من المؤيدين ، والمعارضين ، والمحايدين ، من المسلمين وغير المسلمين ، ومن كل بلاد العالم ومنذ نشأة الدعوة إلى يومنا هذا .
وإن كل الذين شهدوا لهذه الدعوة وإمامها وعلمائها ودولتها وأتباعها ، كانوا يستندون في شهادتهم لها إلى البراهين والدلائل القاطعة التي لا يمكن أن يتجاوزها المنصف إلا معترفا بها ، ولا ينكرها إلا مكابر .
فإن فيما قاله أهلها وكتبوه وفعلوه ، وفي آثار هذه الدعوة الدينية والدنيوية العلمية والعملية ، في العقيدة ، والنظام والسياسية ، وسائر مناحي الحياة ومناشطها ، ما يشهد بالحق ويدحض الشبهات والمزاعم والتخرصات والاتهامات .
علما بأن الدعوة ودولتها كانت في مراحلها الأولى لا تملك من وسائل الدعاية والإغراء المادي ما يملكه خصومها كالأتراك وأمراء الأحساء ، وأشراف مكة والبلاد المجاورة ، وغير المجاورة .
ولو اقتصرنا في الدفاع عن الدعوة ودولتها على أقوال المحايدين وكثير من الخصوم في إنصافها والدفاع عنها لكان ذلك كافيا في بيان الحقيقة ورد الشبهات ، وإقناع من كان قصده الحق والتجرد من الهوى .
أما من كان دافعه الهوى والحسد أو العصبية أو المذهبية أو نحو ذلك من الدوافع الصارفة عن الحق فلا حيلة فيه ، كما قال الله تعالى في هذه الأصناف وأمثالهم من أسلافهم :  وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين  [سورة الأنعام ، الآية : 4 ] .
فإذا كانت أحوال الدعوة ، وأقوالها ومؤلفاتها ، ومواقفها ، وشهادات عقلاء الناس تشهد لها فهل بعد هذا البيان من بيان ؟
والشهادات التي شهد بها كثيرون لهذه الدعوة المباركة كانت صادقة وطوعية ، ونابعة من الضمير ، فلم تكن نتيجة إغراءات ولا تضليل إعلامي ، ولا ضغط سياسي ، ولا تهديد ووعيد ( لا رغبة ولا رهبة ) ؛ لأن أتباع الدعوة ورجالها لم يكونوا يملكون شيئا من ذلك ، إلا الحجة والبرهان ( الدليل الشرعي والعقلي ) لكل من ألقى السمع وهو شهيد . ولذلك جاءت  - ص 11 - شهادة المنصفين مفعمة بالصدق والشفافية والحماس البريء ، وخالية من أساليب المجاملات وأي من أشكال التكلف أو دوافع الرغبة أو الرهبة .
وكانوا يستندون إلى المنهج الذي قامت عليه وإلى الواقع الذي تعيشه في مجتمعها ، لا سيما من البلاد التي تشملها الدولة السعودية المعاصرة ، التي تميزت بحمد الله بصفاء العقيدة وظهور شعائر الدين ، واختفاء البدع ومظاهرها .
- وأنها حققت الغايات التي جاء بها الإسلام : من تعبيد الناس لله وحده لا شريك لـه ، وطاعة الله ، وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وإقامة فرائض الدين ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والجهاد ، وتطبيق الحدود ، وتحكيم الشريعة الإسلامية في كل شؤون الحياة ، وابتغاء مرضاة الله والدار الآخرة .
- وأنها رفعت المظالم والمكوس ، والضرائب التي تثقل كواهل الناس ، وسعت إلى تحقيق العدل والأمن ، بالتحاكم إلى شرع الله ، وتطبيق نظام القضاء بمقتضى الشريعة الإلهية .
- وأنها حررت العقول والنفوس من التعلق بغير الله ، من التعلق بالبدع والأوهام ، والدجل والشعوذة ونحو ذلك .
- وأنها هي الرائد الأول في أسباب النهضة العلمية والفكرية والأدبية الحديثة في جزيرة العرب وما حولها ، وسائر البلاد العربية والإسلامية .
- وأنها تمثل الأنموذج الأسلم لحركات الإصلاح والتحرير الحديثة في العالم الإسلامي ، وأنها تمثل الأنموذج الصحيح في الدعوة ، في العصر الحديث في تحقيق الدين ، وإصلاح الأفراد والمجتمعات ، وتخليص الأمة من البدع والأهواء والفرقة ووسائلها ، والتقليد والعصبية ، والتزام منهج السلف الصالح في الدعوة ووسائله وأهدافه وغاياته .
- كما رأى كثير منهم بأن هذه الدعوة بأصولها ومناهجها وتجاربها هي المؤهلة بأن تنهض بالأمة الإسلامية اليوم ، وتعيدها إلى سابق مجدها ، وتجمع شملها على الكتاب والسنة ونهج السلف الصالح .
- وأوضحت أن من أكبر الردود على المفترين على هذه الدعوة وأتباعها ودولتها تلكم الثمار الطيبة والآثار الحسنة للدعوة حين قامت على أسس الدين الحق ، وقواعد الملة الحنيفية واعتمدت على الوحي المعصوم ( كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ) وسلكت سبيل المؤمنين - السلف الصالح أهل السنة والجماعة - فأعلنت راية التوحيد ورسخته في القلوب وأزالت مظاهر الشرك والبدعة ، وحكمت بشرع الله تعالى : شاع بذلك الأمن والعدل والألفة ، وانتشر العلم ، واختفت  - ص 12 - مظاهر الظلم والشتات والجهل والبدعة والخرافة .
- لقد كانت لهذه الدعوة المباركة آثار عظيمة وكبيرة غيرت معالم التاريخ ، وعدلت مسار الحياة في الأمة الإسلامية كلها في جميع نواحي الحياة : الدينية والعلمية والسياسية والاجتماعية وغيرها .
ولم يقتصر أثرها الطيب على جزيرة العرب ( ونجد بخاصة ) ، التي ارتفعت في ربوعها راية التوحيد خفاقة وعلت فيها معالم السنة ، وزالت آثار البدعة والفرقة والجهل ، وساد فيها الأمن والوفاق .
بل تجاوز أثرها إلى بقية أقاليم الجزيرة العربية وإلى سائر أقطار المسلمين ، فقام علماء ومصلحون ، وقامت دعوات وحركات تسير على نهج هذه الدعوة السلفية النقية الصافية ، في الحجاز وعسير واليمن والشام والعراق ومصر ، والمغرب والسودان وكثير من البلاد الأفريقية ، وفي باكستان وأفغانستان ، والهند البنغال وجاوه ، وسومطرة ، وسائر الجزر الإندونيسية وغيرها .
وكان من أبرز ثمار هذه الدعوة قيام دولة إسلامية قوية مهيبة احتلت موقعا مرموقا بين دول العالم كله ، والعالم الإسلامي بخاصة هي ( دولة آل سعود ) منذ أن ناصر مؤسسها محمد بن سعود إمام الدعوة وآزره على إعلاء كلمة الله . فقد كتب الله لها التمكين ، وأعلنت التوحيد وحكمت بشرع الله تعالى ، ومع ما تعرضت لـه هذه الدعوة والدولة من تحديات كبيرة ، وخصوم أشداء إلا أنها كانت تنتصر في النهاية .
لقد تعرضت الدعوة والدولة ( السعودية ) في مراحلها الأولى لضربات موجعة لكنها كانت - حين قامت على التوحيد والدين والعدل والسنة - لا تلبث أن تنهض قوية فتية لأنها كانت تسكن القلوب ، وقد ذاق الناس في حكمها طعم الإيمان ، والأمن ، والعلم والاجتماع .
ولا يزال الأنموذج الحي للدعوة ودولتها قائما - بحمد الله - تحتله هذه البلاد المباركة ( المملكة العربية السعودية ) التي أرسى قواعدها الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - على الأسس المتينة : التوحيد والشرع والعلم ، وبناء دولة حديثة ، تجمع بين الأصالة في تحكيم شرع الله وحمايته والدعوة إليه وتعظيم شعائره وخدمة مشاعره ، وبين المعاصرة بالأخذ بأسباب القوة والنهضة والرقي ، من غير إخلال بالدين والفضيلة .
ونسأل الله لهذه الدعوة وهذه الدولة المزيد من التمكين والنصر والتوفيق في سبيل  - ص 13 - الإسلام ، وأن يجمع بها كلمة المسلمين على الحق والسنة .
إن هذه الآثار الطيبة والثمار اليانعة الممتدة طيلة قرنين ونصف ، هي الرد العملي والعلمي ، الشرعي والمنطقي ، والواقعي على مفتريات الخصوم ، ففي الحال ما يغني عن المقال ، لكن حين عميت أبصار أهل الأهواء وبصائرهم عن إدراك الحقيقة والاعتراف بها ، وحين حجبت الحقائق عن الجاهلين كان لا بد من تجلية الحقيقة ، والله المستعان .
ولا يزال كثيرون من الذين يجهلون الحقيقة عن المملكة أو يتجاهلونها ، أو الذين يلمزونها أو يحسدونها يصفونها بأنها ( دولة الوهابية ) على سبيل اللمز والطعن .
وقبل الدخول في رد هذا اللمز في آخر هذا المؤلف - إن شاء الله - ينبغي أن أؤكد أن وصف هذه الدعوة بالوهابية يعد تزكية لا تقدر بثمن ؛ لأن الوهابية التي يعيرونها بها يقصدون بها دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب ، والتي هي في الحقيقة : الإسلام والسنة وسبيل السلف الصالح ، والتزام كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
أما الوهابية على الوصف الذي افتراه الخصوم ، والتي تعني ( بزعمهم ) مذهبا خامسا ، أو فئة خارجة عن السنة والجماعة ، أو التي تعني عند أهل الأهواء والبدع والافتراق وأتباعهم من الغوغاء : ( بغض النبي - صلى الله عليه وسلم - والأولياء . . . ) أو نحو ذلك من المفتريات التي سيأتي ذكرها والرد عليها ، فهذه المفتريات لا تعدو أن تكون أكاذيب وأوهاما في خيالات القوم وعقولهم ، أو شائعات صدقوها دون تثبت .
وقد ذكرت أن كل الذين أطلقوا هذه المفتريات والبهتان والذين صدقوا هذه الشائعات ليس عندهم من الدليل والبرهان ما يثبت شيئا من مزاعمهم ، بل المنصف والباحث عن الحقيقة يجد الأمر خلاف ما يفترون .
فها هي المملكة العربية السعودية ( حكومة وشعبا ) كيان شامخ ملأ سمع العالم وبصره ، ظاهرة بكيانها الديني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي ، والدولي وجميع أحوالها وإصداراتها العلمية والإعلامية والأدبية والثقافية ، والفكرية وغير ذلك كله ( إلا ما شذ ) ينفي هذه المزاعم ؛ إذن فالمثالب التي ينسبونها لما يسمونه ( الوهابية ) ودولتها وأتباعها لا حقيقة لها .
ولا يعني ذلك أننا نزكي أنفسنا مطلقا ، فإن عمل البشر مهما بلغ لا بد أن يعتريه النقص والتقصير والخلل والخطأ ، والناقد بصير .
 - ص 14 - بل يجب أن نعترف أنه حصل في بلادنا ومجتمعنا كثير من التحولات السلبية في كل مناحي الحياة ، وأصبنا بأدواء الأمم في بعض الأمور ، لكن مع ذلك لا تزال الأصول والثوابت والمسلمات قائمة ومتينة ومعتبرة بحمد الله .
والحق : أن الأمة الإسلامية ، مع ما اعتراها من كثرة البدع والأهواء والجهل والإعراض والفرقة والشتات ، إلا أنها لا تزال فيها بقايا خير ، وولاء للإسلام ، وهذا التصور الحق هو الذي دفع هذه الدعوة المباركة إلى السعي الجاد واستنهاض نزعة الخير في الأمة .
ولذلك لو أن الأمة الإسلامية سلمت من تضليل الخصوم ، ودعايات السوء التي حالت بينها وبين التعرف على طبيعة الحق الذي يحمله منهج هذه الدعوة التي يعيرونها بـ ( الوهابية ) لاستجاب كثير من المسلمين لداعي الحق ، وكان للمسلمين شأن آخر من العزة والقوة والاجتماع والهيبة . ولله الأمر من قبل ومن بعد .
هذا . . . وقد حرصت خلال هذا البحث كله أن أركز على التأصيل وبيان المنهج الذي سارت عليه الدعوة وأتباعها ودولتها ، وتوثيق ذلك من كتبهم وأقوالهم ومواقفهم ، والواقع العلمي ، والعملي الذي يعيشونه ويعتمدونه ؛ لأن هذا أجدى في كشف الحقيقة ، وأبلغ في رد الشبهات وكشف الزيوف والمفتريات عليهم . ولذا آثرت الإقلال من المجادلات والتمادي في النقاش ، وأحسب أن هذا أبلغ في البيان وأقرب للإقناع ، وأجمع للشمل ، والله حسبنا ونعم الوكيل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، عليه توكلت وإليه أنيب .
ونسأل الله تعالى أن ينصر الحق وأهله ، وأن يخذل الباطل وأهله ، وأن يجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى ، وما فيه خيرهم وعزهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة ، وأن يقيهم شر الفتن ما ظهر منها وما بطن .
وصلى الله وسلم وبارك على خير الخلق أجمعين نبينا وحبيبنا محمد وآله ، وارض عن صحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بفضل الله ورحمته آمين .

0 التعليقات :

إرسال تعليق

Copyright @ 2013 إسلام .